صحراء نيوز - بقلم : محمد سالم الزاوي
بين خرائط الجغرافي ومعالم الحدود تقع في أقصى الجنوب المغربي شبه جزيرة تمتد في الغرب جنوبا وسط المحيط الأطلسي تلاطمتها أمواج السياسة وتطاحنات الأطماع التي أوغلتها في وحل "الخرسيتو" الإسباني ليسلموها بجرة قلم في صفحات التاريخ على تلك الطاولة المدريدية لجيوش "الصندرة" الموريتانية التي أبت مياه الوادي إلا أن تلفظهم في أقل من خمس سنين بعد أن إنتشلها شيوخها وقادة العشائر من أهل تلك المضارب الممتدة على سواحل "البياسيسيتيرو" معيدينها لحوزة هذا الوطن ومرجعين مفاتيح الهبة الإسبانية لموريتانيا الى حضن المملكة .
وبعد هدوء أجيج الرصاص وطنين المدافع وحروب الكر والفر التي وضعت المنطقة منذ أن لفظتها حكومة مدريد على فوهة بركان أحرقت صهارته الجميع . فإن المدينة التي سميت عروس الصحراء من حينها لم تكن في سنين عمرها الحديثة إلا تلك الفتاة التي إغتصبها وحوش الجشع والطمع والحالمين برؤوس الأموال "البيلغيتية" على حساب طبيعة هذه العروس وأرضها وتاريخها وأهلها فظلت تكابد عصرات تماسيح الفساد وعضات ذئاب الإفساد التي حولت معالم الداخلة الجميلة الى تجاعيد تعود لعجوز بلغت من العمر عتيا.
فهذا البحر أخذ عمال الكشط ينكسون ما في جوفه من خير وخمير بمكانس البواخر والزوارق والبوارق والخوارق وكل ما يخلو في ذهن المتكلم ويستوعبه عقل المتلقي مع الحرص على وضع البرقع دون الأرصدة المتخمة لأصحابها وتمكين النقاب على الأصوات الهامسة بنبتة سن حول هذه الشافطات الكاشطات التي لم تترك لنا غير تلك المياه الزرقاء نتبرد فيها عند كل يوم صائف أو نتأملها بعد كل غصة وكآبة تصيبنا جراء ما نراه من منكرات الزمان والمكان الذي يطوينا بين هوامشه الضيقة.
هذا والأرض قد طواها جارفوا الهتكارات وكانزوا القناطير المقنطرة من الفضة من أهل الأطنان المطنطنة من الطماطم وأنواع الزرع الذي ينمو في أرض الوادي وتسقيه مياه الجوف العابرة لحدود الجغرافيا التي جعلت الداخلة من أعظم الأماكن التي حباها الله بفرشاة من المياه عظيمة الشساعة ضخمة المساحة والتي حولها الفساد لنقمة تسقي أهلها كأسا من مياه الصرف الصحي في كل حين وتهدي ساكنتها ماءا عذبا متدفقا لا يرونه إلا في أحلامهم الوردية.
أما في السياحة فتلك لا تختلف في الوصف والتوصيف عن قطاعات الشريان التاجي للداخلة فقد تقاذف القطاع الفساد وقدمه على صحن التبسيط والتسهيل لكل الغرباء والنجباء من الذين درسوا في جوامع "أدهن السيرسير" الشهيرة أو في كتاب "ولد لبلاد" المحلية الصنع فجعلوا "الكايت سورف" و"الكايت بورد" مجرد "كيل هيم" لكل من له أصل وفصل بهذا الوادي الذهبي الذي لم يبقى من لمعان ذهبه غير تلك السمكات التي يبيعها أصحاب "الكرفانات" السياحية في أسواق المدينة دون أن يحرك القائمون عليها ساكنا.
أما الواقع التنموي فتلك حكاية وتراجيديا تلامس قصص الصوملة التي كانت ترويها روبرتاجات الفضائيات عن الصومال في الألفية الثالثة فتلك صفقات بالملايين لتبليط الشوارع تحطمت عند حدود حفريات البنية التحتية التي تعريها في كل حين زخات مطرية لا تتعدى بعض الملمترات وإضاءة عمومية لا تتعدى الشوارع الرئيسية التي يمر منها ذوو المقام والنفوذ في حين تعيش باقي الأحياء في جل أوقاتها ظلام بغداد الدامس أما الكهرباء فأكاد أجزم أنها كثيرة الدوام فقط في المستشفيات أو في منزل الوالي الفاره أما ما عداها من أحياء المدينة فلا نرى منها بوضوح غير تلك الفواتير السمينة التي يحرص أصحاب المكتب على تنميقها وزخرفتها بشكل دقيق.
أما المؤسسات العمومية والإدارات الترابية فتلك موزعة بين جماعات سلالية تتوارثها العائلات بوصايا الصناديق أو تلك الجهة والولاية التي تحاذيها وقد سيجت بجيوش مجيشة من قوات العقلية "المخزنية" التي لا تفقه غير لغة "التفرشيخ" فعوضنا في هذه السنين الأخيرة بسخايا السادة المسؤولين بكثير من كرم "الزرواطة" عن ملفات معيشية محضة. فهؤلاء المتزوجون والمجازون والعاطلون ومن لا أمل له في لقمة عيش إستودعها أهل التدبير الذين وكلتهم الدولة بهذه الجهة أرزاق رعاياها فأبتلعها الأمرون بالصرف وأودعوها جيوبهم الشاسعة وأخرجوا بدلا عنها بطائقهم الحمراء مطلقين صافراتهم لأتباعهم الذين يجيدون مصطلحات "الدرداكة" في فقه الحياة العامة .
هذا الفساد الذي ينخر جسد هذه العروس المتهالكة التي يتم تسييرها على طريقة ألعاب الفيديو فكل ما في هذه المدينة هو عالم إفتراضي يفعل به اللاعبون الواقعيون المتحصنون في مكاتبهم ذات السبع نجوم كما تأمرهم عقلياتهم التي لا تحمل من مشاهد الإنسانية ومناظر الوطنية غير قهقاتهم من أبواب شبابيك مكاتبهم وهم يراقبون مردتهم يفرشخون كل متطفل يطلب حقه أو يصدع رؤوسهم بشعارات النقابات الحماسية وأهازيج أصحاب الوسطى والسبابة.
لذى أنا شخصيا هذا الحيز الزمكاني ما عاد يغريني مع تواصل هذا المسلسل الدرامي المتمثل في النفاق السياسي وكذب من يملكون صناديق الأرزاق ومفاتيح صيدليات علاج أمراض جهتنا العضال .ولهذا ما لم تحضروا العدول والشهود لتشرعنوا لعروس الصحراء عريسها فإنها ستظل عروسا غير شرعية يتبادلها زناة باقي الجهات.