تعرضت سوريا قيادة وشعباً منذ سنة 2011م لحرب شعواء كانت ممولة من طرف العديد من الدول العربية والغربية وخاصة دول الخليج كالسعودية وقطر والامارات التي مولت وسلٌّحت المجاميع الإرهابية التي عاثت فساداًوخراباً وتدميراًفي سوريا بلد العراقة والحضارة والتاريخ وبأوامر أمريكية صهيونية وبدعم لوجستي تركي في تلك الفترة القاتمة من تاريخ سوريا و المنطقة، حيث اتهم كل من كان له موقف ثابت من الحرب على سوريا وجهر بالحقيقة الناصعة البياض، والتي مفادها أن الغرب يعاقب سوريا على مواقفها من القضايا العربية الكبرى ومنها القضية الفلسطينية ورفضها للاملاءات والشروط الأمريكية والغربية وتمسكها بالاءات العربية الثلاث التي رفعت في قمة الخرطوم بأنهم عملاء وخونة ومرتزقة وممولون من طرف المخابرات السورية و شنوا ضدّهم حرباً إعلامية ضروس وكنا متأكدين بأن هؤلاء الذين تمولهم أجهزة استخبارات معروفة سرعان ما سيغيرون بوصلتهم اتجاه دمشق عندما تأتيهم الأوامر والتعليمات بذلك وهذا ما حدث، اذا نرى ذلك جلياً على أمر الواقع بعد أن دعيت سوريا ممثلة في الرءيس بشار الأسد لحضور القمة العربية التي تستضيفها مدينة جدة السعودية، حيث تعتبر قمة سيرت الليبية التي حضرها بشار الأسد في 2010م أخر قمة عربية يحضرها بصفة رسمية. مثلما ذكر موقع BBC newsعربي، بتاريخ 18ماي/أيار 2023م، في مقال بعنوان ( بشار الأسد يرفع راية النصر من سوريا).
فالاستراتيجية التي تبناها النظام السوري طوال سنوات والقاءمة على فتح باب الحوار مع كل الدول العربية والغربية التي كانت منخرطة في الحرب على سوريا، وعدم الانجرار للصراعات العربية العربية التي دمرت الكثير من الدول وأشغلت فتيل الحروب والصراعات داخلها كاليمن والسودان وحرص سوريا على وحدة الصف العربي، والتركيز على حل الخلافات الداخلية السورية بعيداً عن لغة الخشب والعنف، بالموازاة مع العمل العسكري المشترك مع حلفاء دمشق كالروس والايرانيين وحزب الله من أجل استعادة السيطرة على الأراضي المحتلة من قبل الجماعات الإرهابية المسلحة، فالبرغم من كل ما تعرضت له سوريا من مؤامرات وتدمير لم تنخرط القيادة السورية في أعمال عداءية داخل الدول التي عملت على تقسيم سوريا وأضعافها بأوامر من العم سام، اذا لم تنخرط دمشق في دعم الحوثيين في اليمن، وكانت تستطيع فعل ذلك بدعوى أن كلاّ من الإمارات والسعودية قد دعمتا الإرهابيين من أجل إسقاط نظام يحظى بشعبية واسعة، وهذا ما يفسر صمود سوريا ومنظومة الحكم فيها على الأقل في مناطق سيطرة النظام.
ولم تقسم دمشق كذلك بتنفيذ عمليات انتقامية داخل أراضي هاته الدول بل كانت اليد السورية ممدودة لها، ويبدو أن صناع القرار داخل هذه الدول قد أدركوا أخيراً بأن كل محاولاتهم لاسقاط النظام السوري، وخاصة بعد الهزيمة الغربية في أوكرانيا مألها سيكون الفشل السريع، وذلك بعد 12سنة من المحاولات المستميتة لفعل ذلك، وكانت تركيا أردوغان من أكثر الدول التي سعت ولا تزال جاهزة من أجل مد جسور التقارب مع سوريا بعد أن أدركت أنقرة أن الأوضاع الإقليمية والدولية لم تعد في صالحها، اذا تحاول جاهزة ضمان مصالحها في سوريا عن طريق تفعيل مسار اتفاق استانة الذي عقد في سنة 2017م عبر وساطة روسية ورعاية أممية، فالاجتماع الذي عقد في العاصمة الروسية موسكو وبحضور كل من طهران ودمشق وأنقرة كان الهدف الأساسي منه هو محاولة اقتاع الجانب السوري بإعادة العلاقات الثنائية المقطوعة مع أنقرة، وبحث كافة المسائل الأمنية والاقتصادية والإنسانية العالقة بين الطرفين، وإيجاد مخرج للأزمة السورية بما يخدم المصالح التركية في شمال سوريا، وهي التي تعتبر الداعم الرئيسي لجبهة تحرير الشام(جبهة النصرة سابقاً)التي تسيطر على مدينة إدلب وريف حماه والمناطق المجاورة. مثلما ذكر موقع BBC newsعربي، بتاريخ 11مارس/أذار 2023م، في مقال بعنوان ( العلاقات التركية السورية، ما مصلحة ايران وروسيا في هذا التقارب؟).
فكل الدول التي سعت جاهزة لتحطيم سوريا واسقاط نظامها تعيد حساباتها السّياسية والجيواستراتبجية، وتحاول طي صفحة الماضي وفتح علاقات جديدة مع دمشق، وستكون عودة سوريا للجامعة العربية البداية لإعادة ادماجها في المجتمع الدولي برعاية عربية روسية صينية إيرانية، فالتقارب الذي حدث بين طهران وأنقرة برعاية صينية ستكون له تداعيات إيجابية على الملف السوري، وستكون دمشق بالتالي الدولة التي سيجتمع الإيرانيون والسعوديون على جعلها الموضوع الأهم الذي سيكون البداية لاذابة الجليد في العلاقة بين البلدين، خاصة بعد أن أدركت الرياض بأن مصالحها الاستراتيجية تكمن في التقارب مع المعسكر الشرقي، وتسعى جاهدة منذ أشهر لضمان مكان لها في منظومة البريكست برعاية روسية بعد أن أدركت أن واشنطن التي لم تستطع مجابهة الروس في أوكرانيا وتعاني من أزمة اقتصادية خانقة ومشاكل سياسية كبيرة خاصة بعد محاكمة الرئيس السّابق دونالد ترامب لن تستطيع حمايتها اذا نشبت حرب إقليمية كبرى في المنطقة، فالخلافات العميقة بين القيادتين السعودية والأمريكية والنظرة المختلفة لمستقبل منطقة الشرق الأوسط، وسعي واشنطن لحماية مصالحها الاستراتيجية على حساب مصالح من تسميهم شركاءها الاستراتيجيين، وتعاظم الدور الروسي والصيني في المنطقة، كلها عوامل أدت لزيادة رسوخ فكرة أن مصالح السعودية لم تعدمربوطة استراتيجياً بأمريكا مثلما كانت عليه بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، فالاتفاق الشفهي بين الرياض،وواشنطن الذي صمد خلال عهود 11رءيساً و 7 ملوك يبدو أنه بدأ في التصدع اثر ازدياد حدة الخلافات الشخصية بين بايدن ومحمد بن سلمان وصلت للشتكيك في قدرات بايدن العقلية والسخرية من طريقته في المشي في المجالس الخاصة لولي العهد محمد بن سلمان مثلما ذكرت صحيفة ( وول ستريت جورنال)الأمريكية نقلاًعن مصادر جد مطلعة في الحكومة السعودية. كما جاء في موقع cnnبالعربي، بتاريخ 25أكتوبر/ تشرين الأول 2022م، في مقال بعنوان ( تقرير wsj: محمد بن سلمان يسخر من بايدن في مجالسه الخاصة....والرياض تنفي).
فالمتغيرات الإقليمية والدولة قد لعبت دوراً كبيراً في التمهيد لعودة دور سوريا المحوري والذي لا يمكن لأحد تجاهله كمكون أساسي من مكونات المنظومة السّياسية والأمنية والاقتصادية العربية، فدمشق قد نجحت بفضل تضحيات جيشها وصمودها وتوظيفها لورقة التوازنات بطريقة ذكية في استعادة مقعدها داخل الجامعة العربية ايذاناً بفك الحصار الدبلوماسي والاقتصادي المفروض عليها منذ سنوات، فالدول العربية التي وقفت ضدّ سوريا في الماضي تحاول الاستفادة من توطيد علاقاتها السّياسيةوالاقتصادية تدريجياً مع دمشق في الظفر بالصفقات الاقتصادية الكبرى من أجل إعادة اعمار سوريا والمدن المتضررة من الحرب الأهلية، وهذا ما سيدر عليها أموالاً طاءلة، فالبراغماتية التي تتعامل بها هذه الدول مع سوريا تعبر الدافع الأساسي وراء تقاربها المفاجىء مع دمشق، ورغم ذلك فإن سوريا بعودتها للجامعة العربية قد حققت نصراً و انجازاًدبلوماسياً وتاريخياً ستكون له تداعيات مستقبلية على دورها الريادي في المنطقة ككل.
عميرة أيسر