انقضت أزيد من سبعة أيام دون أن يصدر عنها أي توضيح أو بيان، فصار مؤكدا أن رئيسة جهة كلميم واد نون قد استنجدت بأسلوب " الهروب إلى الأمام " وأقبلت على دسِّ رأسها في الرمل مثل النعامة ، كلها خيارات تمتح من استراتيجية اللامبالاة، المخرج الذي يبدو قد سلكت دروبه السيدة امباركة بوعيدة في التغطية على فضيحة أحد نوابها الذي تعرض للسرقة بجماعة الدشيرة بحر الأسبوع الفارط، وهو على متن سيارة المصلحة " إم روج" أو "جابها الله" التابعة لجهة كلميم واد نون.
إن طرح بعض الأسئلة البسيطة حول الواقعة، كفيل بإماطة اللتام عن واحدة من سلسلة فضائح العبث بالمال العام المقرونة بالعبث بإرادة المواطنين، آليات اشتغال لوبي الفساد والاستبداد، التي تم استئناف أطوارها منذ 8 من شتنبر المشؤوم، فهل المال المسروق والذي بلغت قيمته حسب المنابر الإعلامية 60 مليون سنتيم، هل هو مال خاص أم مال عام؟ وبالنظر إلى أن جريمة السرقة تمت بالدشيرة، يعني خارج النفوذ الترابي للجهة، فهل كان السيد النائب المحترم في إطار مهمة من أجل المصلحة العامة أم كان يقضي أغراضه الخاصة؟ الإجابة في جميع الأحوال ستكشف على أننا أمام طبقة إما جاهلة بأبجديات القانون المؤطر لتدبير الشأن العام -وهذا مستبعد- أو أننا أمام طغمة سياسية فاقدة لأدنى مستويات حس المواطنة والمسؤولية الأخلاقية تجاه المال العام.
فإذا كان السيد النائب في إطار مهمة لأجل المصلحة العامة، معنى ذلك، أن المال المسروق مال عام، وهذه طامة كبرى، لأن المساطر الإدارية تمنع تفويض التدبير المالي لنواب الرئيسة، فما بالك أن يتولى أحد نوابها تسديد فاتورة نقدا مقابل خدمة لفائدة مؤسسة عمومية ، بعيدا عن ما تقتضيه المساطر والإجراءات المنظمة للتعاملات المالية، المفترض أنها تتم عبر المؤسسات البنكية، وليس وفق قواعد شساعة النفقات التي ليست أصلا من اختصاص المنتخبين، وإذا صح أن المسروق مال عام، وأريد به تسديد نفقة عمومية نقدا بهذه الطريقة الفجة، فهذا مسلك غير قانوني، ولا يمكن اللجوء إليه إلا إذا أراد القائم به تسديد فاتورة خدمات غير مشروعة، وهذه جريمة تستحق المتابعة والملاحقة.
أما إذا كان السيد النائب في مهمة شخصية ( أعمال أو سياحة)، فكيف يُعقل أن يقوم بذلك بواسطة ممتلكات الدولة وباستغلال المال العام؟ ناهيك عن استغلال نفوذه ومكانته كعضو بمجلس جهة لتحقيق وتيسير أغراضه الخاصة على حساب ميزانية أفقر جهة من جهات المغرب والأكثر إنفاقا بدون حسيب ولا رقيب ( واقعة مليار و400 مليون لإنجاز برنامج التنمية الجهوية و600 مليون لشراء السيارات الفاخرة، من الأمثلة الدالة على ذلك).
بدون مزايدة، أجد أن السيدة رئيسة جهة كلميم واد نون مَدعُوة، بل مُلزمة سياسيا وأخلاقيا، بالتفاعل مع تساؤلات المواطنين ومتتبعي الشأن العام، بإصدار بلاغ توضيحي بشأن علاقة جهة كلميم واد نون بملابسات واقعة سرقة 60 مليون سنتيم، لأن استمرارها في نهج سياسة صم الآذان فيه إشارة قوية على أن الواقعة تجسيد حقيقي لواحد من أمريين، أولهما أن الرئيسة لا سلطة لها - سوى السراب - على ما تحت يدها من ممتلكات الجهة، وأن النواب يتجاوزنها في العبث بممتلكات الجهة وهدر ماليتها لتحقيق مصالحهم الخاصة، ثانيهما، أن الجهة سطت عليها عصابة جاء بها سيل 08 شتنبر الجارف، لا تبق ولا تذر، مستهترة بالقانون ولا تبالي بالرقابة الشعبية، ولا هم لها سوى الركض وراء مراكمة ما يكفيها من الزرقة-لاف لشراء الذمم لتجديد رصيدها الانتخابي لقيادة الجهة نحو المجهول وإن كانت الهاوية هي نهايته المعلومة.
من باب الالتزام بقواعد الشفافية المؤطرة لتدبير الشأن العام، يحق لنا أن نعلم أن ماهية مالك المال المسروق من سيارة مصلحة موضوعة تحت تصرف منتخب مسؤول عمومي خلال تواجده خارج النفوذ الترابي لمجال اشتغاله، ودون التجاوب مع التساؤلات أعلاه، فذاك دليل على أن طغمة 08 شتنبر تنظر إلى الجماعات الترابية وكأنها ضيعات خاصة تتصرف فيها وفق أهوائها، وتعتبر ماليتها غنيمة حرب لا حرمة لها.
عبد الهادي بوصبيع
سياسي ومستشار جماعي سابق