و خلال هذه المحنة ، كان نقاشي مع أصدقائي متشائما بل وصف بالعدمي من طرف بعض الزملاء ، فنحن دولة لاتنتج فيها حكومة تضم وزارة "الإغاثة العمومية" أو "وزارة السعادة" ، كل ماتصنعه من الاستقلال إلى اليوم هو إدارة " سير حتى تجي " و عقلية الاستغلال و الركوب على الأحداث المؤلمة خصوصا ، مدام مشروع بناء الإنسان على أسس علمية و أخلاقية ووطنية مؤجل حتى اليوم .
ليظهر حسب مراقبين أن السلطات انتظرت إنهاء الحفر وإخراج الطفل ريان لإعلان وفاته رسميا، لترتيب كل الإجراءات و تجنب حدوث فوضى .
ومن ثم أصيب المغاربة و العرب و كل المتضامنين مع هذه القضية الإنسانية الدولية بالريبة و الذهول والصدمة.
فقد كان المخيال الشعبي في العالم العربي ، يبحث عن بطولة أسطورية من شمال المغرب تنتهي بفرحة و سط الانهزامات المعنوية و السياسة و الاجتماعية ..
خلال مساري المهني قمت بتغطية واحد من أبشع حوادث السير بالمغرب في العقود الأخيرة ، والذي عرف اعلاميا "بفاجعة طانطان" ، التي لم تخلّف فقط رحيل أطفال صغار تترواح أعمارهم ما بين 10 و13 سنة خلال شهر ابريل 2015 ، بل كذلك مجموعة من الرياضيين، حينما اصطدمت حافلة الركاب بشاحنة ضخمة فاندلع حريق لم يغادر منهم إلا من كتب له عمر جديد .. على مستوى جماعة الشبيكة اقليم طانطان ، ولازال البعض لحد الساعة ، يتذكر صرخات الاطفال وهم يحترقون ..
وغير بعيد عن مكان اختراق الاطفال ، جنحت سفينة لنقل الوقود قادمة من لاس بالماس ، شهر دجنبر 2013 ، بالمدخل الشمالي لميناء طانطان بعدما التصق قعرها بالرمال لتتقاذفها الامواج وتجرها لمحاذاة الصخور ..
ولم ينقد السفينة و الحمولة المتواجدة بداخلها والمقدرة بنحو 5000 طن من الفيول ، الا فريق اجنبي ، و الذي قال احد عناصره في دردشة خاصة ان نفس الامكانيات يتوفر عليها المغرب ، لكن يبقى النقص الحاصل في الفكرة و "القرار المناسب في الوقت المناسب "..
لا أخفي عليهم في بداية هذه الأزمة الإنسانية التي واكبتها عن كثب للطفل المرحوم ريان ، سهرت في ليلة بعينها لحدود الساعة الرابعة صباحا ، ورأيت احد المتطوعين يصرح للصحافة بأنه حاول "أربع مرات" النزول لقعر البئر ، ويطالب بفرصة "خامسة" ..
و الجمهور يصرخ " عطوه محاولة ، عطوه محاولة ".. ، فاقتنعت ان الأمر عبارة عن لعب عيال أو مقابلة كروية بين احد فرق الأحياء ، وليس عملية إنقاذ ضخمة و نوعية كما روج لها الفيس بوك المحرك للعواطف و الذي أصبح هو الأخر " كيسبق الفرحة بنهار " ..
ريان في النهاية حقق شعبيا مالم يحققه الوزراء العرب في الخارجية و الوسطاء الدوليين ، و أعاد بناء جسر الثقة بين الشعوب في بقاع المعمور .
بل وقدم دروس قاسية ، " كل ريان في بلادنا يناديكم لإنقاذه بسرعة قبل أن تفقدوه " ، على كل السياسات العمومية و الخطط الاقتصادية في القرية و المدينة إن تعمل بها ، وأكثر من ذالك أسس لعلم جديد في التنمية البشرية .. لمعالجة هشاشة البنية الحيوية و انعدام المرافق في المناطق القروية المغربية و نهج سياسة الاستشعار و الاستباق قبل وقوع الكوارث .
والشهيد ريان ذكر البشر أن الأعمال الصالحة تعد صدقة، ولا تحتاج إلى درهم واحد ، وعلى رأسها إماطة الأذى عن الطريق، ومساعدة الأعمى، وكذلك مساعدة الأصم والأبكم، وإرشاد من يسأل عن مكان ما..
الطفل ريان حاول تحقيق انسانية الانسان ، فرحنا بخبر إنقاذه ثم فجعنا بخبر وفاته، ريان أصبح فجأة رمزا لملايين الاطفال الذين سقطوا في بئر عميقة لتجارة الاسلحة قعرها جرائم ضد الانسانية تحت طائلة " قصف الاطفال بالاسئلة الامريكية و الروسية " .
خالص تعازينا ومواساتنا لأسرة الطفل ريان .. وللإنسانية جمعاء التي فجعت لفقده .. رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه .. وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان.
· مدير نشر ورئيس تحرير جريدة دعوة الحرية الورقية
· مدير الجريدة الأولى صحراء نيوز