"الاستثمار في الناس من خلال التغذية والرعاية الصحية والتعليم الجيد والمهارات يساعد على تنمية رأس المال البشري"
تعني عبارة “أعطه كارو” في تونس حرفيا “أعطه قدره”.
و”كار” في تونس يعني في ما مضى إناء صغيرا من الألمنيوم، ما عادت الكلمة مستخدمة لأجل الحديث عن إناء، بقيت فقط عبارة تُردد بين الناس للدلالة على وجوب احترام الغير.
لكن هل تعلمون لماذا كان يسمى الإناء الصغير بـ”الكار”؟ هي نقل حرفي للكلمة الفرنسية (un quart) التي تعني “ربع”. كانت سعة الإناء ربع لتر، وبفضله قضت الدولة التونسية بعيد الاستقلال على سوء التغذية في صفوف الأطفال وداخل الوسط المدرسي بسبب الفقر الذي كانت تعاني منه الكثير من العائلات في مختلف جهات البلاد حينها.
كانت كل المدارس تعطي جميع التلاميذ دون استثناء “كار” حليب وربع خبزة و4 قطع من الشوكلاتة.
هذه الحيلة التي ابتكرها، وفق ما يقول مؤرخون الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة آنذاك، شجعت الناس على ترسيم أبنائهم في المدارس، حيث كان “كار” الحليب يمثل للعائلات التونسية فرصة لتغذية أبنائها وتعليمهم كما أراد بورقيبة..
تحولت “أعطه كارو” التي كانت تعني “أعطه حليبه وشكلاطته وخبزه” إلى “أعطه قدره”، فالأكيد أن “قدر الإنسان” مرادف لحصوله على تغذية صحية وتعليم جيد ثم شيئا فشيئا أصبح “الكار” احتراما.
كان بورقيبة زعيما يعرف ماذا يريد. ولا بد من الاعتراف أن القادة يشكلون الدول والمجتمعات.. محاولة ترتيبهم أو وضعهم في قائمة هو ضرب من الحمق ما يمكننا أن نتأكد منه فقط أن هذا قائد جيد وذاك فاشل. تثبت الأيام ذلك أسرع مما تتخيلون.
يلعب قادة العالم الدور الأهم لتحقيق السعادة الحقيقية لشعوبهم. يقود القائد الصالح المستنير شعبه وبلده إلى الازدهار، بينما القائد القاسي والفاشل يجلب الناس إلى عالم المعاناة ويدمر بلاده في نهاية المطاف. يجب ألا يكون القائد متعلما وخبيرا فحسب، ولكن من المهم أن يكون عطوفا وواعيا بالمشاكل التي يواجهها الناس في بلاده. القائد الحقيقي سيعي ويفهم أن رأس المال الحقيقي في أي بلاد قبل كل شيء آخر هو البشر.
يتكون رأس المال البشري من المعرفة والمهارات والصحة التي يستثمرها الناس ويراكمونها طوال حياتهم، مما يمكنهم من تحقيق إمكاناتهم كأعضاء منتجين في المجتمع.
الاستثمار في الناس من خلال التغذية والرعاية الصحية والتعليم الجيد والمهارات يساعد على تنمية رأس المال البشري، وهذا أمر أساسي لإنهاء الفقر المدقع وبالتالي خلق مجتمعات مستنيرة ومزدهرة.
كم نحن الآن في حاجة إلى “كار ذكاء” يقضي على الفقر بأنواعه في مختلف المجالات.