وقف في الرصيف ينتظر سيارة ابنه لكي تقله إلى مدينة الطانطان. بدأ مولود ولد لعريش ينظر إلى الشارع، فإذا بسيارات الأجرة تمر من أمامه، كانت ألوانها تمتزج بين اللونين الأحمر والابيض. في كل مرة يقول مولود ولد لعريش في قرارة نفسه هذه سيارة ابني. لكن لم يأت بعد، ولم تأت أيضاً سيارته لتقله. فجأة سمع صوت أزيز سيارة وققت أمامه. سيارة صغيرة، زرقاء اللون، تلمع من آثر الشمس، فإذا بالرجل يقول لمولود ولد لعريش:اصعد يا مولود إلى السيارة. صعد مولود فتأمل وجه الرجل، فرحب به ترحيبا طويلا، فقبل أبناء الرجل وكانوا في الخلف رأس العم مولود. ليسأل الرجل مولود أين الوجهة يا عمي مولود؟
فقال: كنت في انتظار ابني لنسافر إلى الطانطان، لكنه لم يأت، إذن نسافر معكم بإذن الله تعالى.
انعرجت السيارة إلى حي معطلا، ثم اتجهت صوب واد الساقية الحمراء، وبعد ذلك اتجهت في الطريق إلى الطانطان.
الشمس لامعة والسماء صافية، ورغبة الأبناء في الحديث مع العم مولود جامحة. بدأ الابن البكر بالحديث مع والده عن صديقه في مدينة السمارة، فقال الأخ الأصغر: نريد الذهاب يا أبتاه إلى عمنا في مدينة السمارة. نظر الرجل إلى أبنائه، فقال لهم: سنتجه إلى الطانطان، ومعنا العم مولود. لكن الأبناء امتعضوا، ثم قالوا لأبيهم: نريد السفر إلى السمارة. نظر العم مولود إلى الرجل فقال له: لا حرج إن سافرنا إلى مدينة السمارة لتلبية رغبة الأبناء. ففرح الأبناء وصفقوا والعم مولود يبتسم. فقال الرجل: لنشد الرحال إلى مدينة السمارة على بركة الله.
اتجه الرجل صوب مدينة السمارة، وماهي إلا ساعات حتى وصلوا جميعا صوب بيت صديقه. فخرجوا جميعهم من السيارة ومعهم العم مولود ولد لعريش. وماهي إلا لحظات حتى وجدوا صاحب المنزل أمامهم، أقبل عليهم يرحب بهم جميعا. دخل الرجل وأبناؤه والعم مولود ولد لعريش إلى المنزل، فتم الترحيب بهم. أقبلت عليهم عجوز في عقدها الثامن، فدلفت الصالون الكبير، لتلقي التحية عليهم. بدأت العجوز تدقق النظر في وجه مولود ولد لعريش. فإذا بها تقول: أليس هذا الرجل مولود ولد محمد ولد عمار لعريش شيخ القبيلة وأحد أعضاء جيش التحرير. فأجابها العم مولود قائلا بالحسانية: حك بعد.
فقالت المرأة لأبنائها: سلموا على خالكم مولود. فاقبلوا عليه يقبلون رأسه. فسألها مستفسرا عن معرفتها به. فقالت المرأة العجوز كنتم جيرانا لنا في زمن الخمسينات بالمنطقة الفلانية . فتذكر مولود أهلها. تحدثوا كثيرا عن ذلك الزمن الجميل. أقبل أهل العجوز على العم مولود، فأقيمت الولائم، في كل يوم تقام وجبة غداء ووحبة عشاء مدة أسبوع كامل.
في الختام عاد العم مولود والرجل وأبنائه إلى الطانطان، وفي طريقهم قال الرجل للعم مولود: لم يعد شغل الناس سوى ذكر العم مولود، أما نحن فتم غض النظر عنا، وكأننا لم نكن. ابتسم العم مولود وقال: اللهم اكثر أحبابنا يارب، جئت بالصدفة معكم وأصبحت أنا الكل في الكل. ضحك الرجل ملء فمه، وقال بالحسانية: أخبارك زينة يا عمي مولود.
فقال الأبناء لوالدهم: في المرة القادمة يا أبتاه إن سافرت إلى مدينة السمارة خذ معك العم مولود.
فابتسم العم مولود وقال بالحسانية: حك بعد.
رحم الله العم مولود لعريش ولد محمد عمار وأسكنه الله فسيح جناته.
* المسؤول عن الثقافة بالجريدة الاولى صحراء نيوز