اتجهت مباشرة إلى مكان الوضوء، فتوضأت بماء بارد، صليت، فرأيت والدي يستمع إلى المذياع، اقتربت منه: فقال لي: هل صليت الفجر. قلت له: أنا في طريق للصلاة يا الداه.
نظر إلي فقال: قمت أنا قبلك مع آذان الفجر، فصليت في المسجد مع الجماعة، وناديت عليك، لإيقاظك، لكن يا بني لا حياة لمن تنادي. اتجهت لأداء الصلاة، فصليت في أمان وخشوع. لم أتناول وجبة الإفطار مع والدي، لأن العادات والتقاليد لا تسمح بذلك، كان بيته معزولا عن البيوت الأخرى، وهناك كان برنسه الأسود، ولثامه الأسود، وفراشه الأبيض المعروف عندنا في اللهجة الحسانية " بألوليش".
تناولت الوجبة وخرجت مع والدي، الذي فتح محله التجاري، ووجد في انتظاره أصدقائه، فقمت بتقبيل رؤوسهم جميعا: عيني تنظر إلى الأسفل وأنا أقبل رؤوسهم كان بينهم: حمدي ولد لفضيل وبابا الطرشاني ومحمد بوجا والسامي الصلح والسالك ولد الحسين والسالك ولد لفيطح والحسين ولد امحمد صفر ومحمد عالي ديابلو ولحسن النجار و عبد الله ولد مشنان، فتح لهم الوالد المحل التجاري، فقال السالك ولد لحيسن لوالدي: لازالت لعبة دومينو لم تبدأ بعد، والسالك ولد لفيطح دائما ضدك، اجتمعوا حول مائدة صفراء، فإذا بأصواتهم تعلو السماء باللغة الإسبانية: دوس تريس كواترو.
اتجهت صوب الشارع الرئيسي، اقتربت من سليسلة، وجدت شيوخا آخرين يلعبون ضامة، ويضحكون في شيخ انهزم لتوه، فكان محطةسخرية فحكموا عليه بشراء علبة الشاي 4011 الحرة التي تأتي من الصين. دنوت منهم فهم الشيخ بشراء علبة الشاي، فجلبها لهم: ففتح شيخ آخر علبة الشاي، ليراها فإذا به يقول له: هذا ليس شاي 4011 هذا شاي زبيلني. ضحك الشيوخ ملء فمهم وبدأوا سلسلة من التعاليق على صديقهم المنهزم.
أخذت مسار الشارع حيث الحوانيت مفتوحة عن آخرها، والتجار داخلها تبدو جميلة ورائعة ومليئة بكل السلع التجارية القادمة من إسبانيا كنعايل السيمار وملاحف نسائية ودراريع القادمة من موريتانيا الشقيقة. كل حانوت كان يصدح منه شريط غنائي من الهول الحساني كسيداتي وسدوم ومحجوبة منت الميداح. كنت أحب سماع محجوبة من الميداح كثيرا، لأنها أقرب صوت حساني إلى قلبي.
في الطريق ألقي التحية على كل المارين من حولي. التقيت بولد أنكية أخذ يردد كلام غير مفهوم، فإذا بمحلا الشوا أقول له: ولد أنكية يشتمك، هرب ولد أنكية وأخذ محلا الشوا يركض وراءه ويقول: دائما يشتمني يا ناس، الآن سألقنك درسا لن تنساه. كانت الشمس قد انتصفت السماء، و يغلب على الجو نسيم الهواء، وأنا أسير ببطء في الظل، الذي يزرع في داخلي حب الحياة. توقفت قليلا فرأيت تيتاي ممسكا أدوات لفتح لاندروفير، أكملت مسيري ووجدت أمامي الشيخ الجليل عبد الله ولد الغيلاني جالسا في محله التجاري وبعد سلام طويل، فإذا بصوت المذيع قناة بي بي سي يقول: السلام عليكم قناة بي بي سي، فقال لي العم عبد الله ولد الغيلاني، اجلس معي، حتى تنتهي النشرة، جلست معه، وكان رجلا طيبا، بمثابة والدي، يحب الناس وينصح الشباب بعمل الخير. انتهت نشرة الأخبار. وبعد دقائق ودعت العم عبد الله ولد الغيلاني وقلت له أنا على عجلة من أمري فقال لي: فليحفظك الرب. أخذت المسير صوب الشارع، نظرت إلى مطعم بو الوقت، فالتقيت بعقة و مانويل وولد السنهوري،
فقلت لهم: صديقنا الحلاق تيكوفا قال لي: بأنه يستطيع حلق شعر رأسه بنفسه دون مساعدة أحد. فقالوا لي: وهل يستطيع فعلها: فقلت لهم: هذا ما قاله لي. فقلت لهم: شرطي هو أن نتجه صوب حي العمالة ونستدعي معنا كل من محمد سالم برهمة والناجم من أجل أن يشهدا عليه و على كلامه. قطعنا واد ابن خليل، ووصلنا حي العمالة، المنازل هناك متشابهة كأحجار الدومينو يغلب عليها اللون الأصفر والأبيض، مبنية بالطوب الأحمر يظهر من جنبات الجدران. استدعينا محمد سالم برهمة وخرج معنا، ثم اتجهنا صوب منزل الناجم الذي كنا نلقبه بالأنيق. هم معنا الناجم فأخبرناه بقضية الحلاق تيكوفا فضحك ملء فمه فقال جن الحلاق تيكوفا حقا.
عدنا لنقطع مرة أخرى واد ابن خليل، سمعنا صوت نقيق الضفادع ونباح الكلاب وصوت زقزقة العصافير من ( الجرادي المجاورة لواد ابن خليل)، وصلنا الشارع، فوصلنا صالون الحلاقة تيكوفا الذي ألقى علينا التحية جميعا: وقال بلكنة بعيدة عن الحسانية: يوكي ألا أهل الطانطان. فقلت له: يا تيكوفا هذه لعبة قديمة لا تنطلي علينا. أخبرتني بأنك تستطيع أن تحلق رأسك لوحدك. فنظر إلي بعنينه الكبيرتين وقال بصوت وصل كل الحاضرين: نعم. فقلت له: أشتري لك خروف من الخرفان إن استطعت فعلك ذلك. فقال أمام الشباب نعم أستطيع وامنحي الجائزة وهي الخروف. فقلت له أمنحك إيها شريطة أن أدلي برأيي فقال لي: ماهو رأيك: فقلت له أمام الشباب: قدم لي وعدا بأنك ستقبل على حكمي. فقال وعدتك أن أقبل على حكمك. منح الناجم مقص لتيكوفا، فقال له هيا حلق رأسك.
فإذا تيكوفا يحلق رأسه بصعوبة أمام المرآة يراها ويحاول قص رأسه، لم يتسطع فعل ذلك أمام مشهد الشباب المندهشين لهذا الفعل الغريب عنهم. حاول تيكوفا مرارا وتكرار أن يقص شعره ولكنه لم يستطع فعل ذلك، أخذ يصعد الكرسي ومكان وضع أدوات الحلاقة لكنه لم ينجح في قص شعره. قال له الناجم: توقف. فتوقف. فقال له الناجم: تيكوفا لقد انهزمت أمام أنظار الشباب. فلندع الحكم للشريف فقال لي الناجم قدم حكمك: فخرجت خارجا صوب بائع الدجاج المحاذي لحلاق تيكوفا، فطلبت منه أن يعطي ريش الدجاج، فجلب لي كيسا منه. عدت أدراجي صوب صالون الحلاق تيكوفا، فطلبت منهم أن يقيدوه من رجليه: فقيده الشباب وأوثقوه جيدا، فأخذت ريش الدجاج: فبدأت ألعب به في قدم تيكوفا الذي ضحك ملء فمه، وأدمعت عيناه. فقلت له هذا عقابك يا صديقي، لا تقل الأشياء حتى تكون واثقا منها مرة أخرى، أطلقنا قيده، وضحك ملء فمه من طريقة العقوبة الذكية، فعزمنا جميعا على مأدبة غداء في منزله.
/ كل أحداث هذه القصة هي من وحي الخيال، لحبي لذلك الجيل الطانطاني الأصيل.
*المسؤول الثقافي عن جريدة صحراء نيوز