بدت فاتنة جدا بلحافها الأحمر الذي يكشف عن صدر لم تداعبه الشمس من قبل وعن ساقين ناعمين ابيضين وكانهم قوالب سكر .. تقف على رصيف الشارع مثل شجرة دابلة في يوم خريفي ، تتفحص وجوه العابرين بنظرات زائغة و مترددة ، ترفع عينيها أحيانا إلى الغيوم السوداء كأنها تعاتب السماء أو ترجو عودة الصحو..اليدان ترتجفان قليلا وهي تتفقد زينتها عبر المرآة ، ما زالت لم تصدق بعد أن التجاعيد بدأت تزحف على وجهها الجميل رغم أنها مازالت في بداية عقدها الرابع .. مرت ساعة و ساعتان و بدأ الظلام يتساقط على الشارع المجاور لقصر البلدية، و نظراتها القلقة لا تكف عن التنقل من اليمين إلى اليسار و من اليسار إلى اليمين..بدأ اليأس يتسلل إليها و في كل مرة تنوي الرجوع إلى بيتها تتذكر أن المطبخ فارغ من الشاي والسكر و الزيت والدقيق والارز و أن صاحب البيت لا يكف عن مطالبتها بمبلغ الإيجار....
تتوقف سيارة حمراء من نوع مرسيديس في لوحتها كتب حرف الجيم بالاحمر ، يطل منها رجل بدين بشارب ضخم زحفت عليه شعيرات بيضاء ، أشار إليها بيده مثل سلطان عثماني يشير إلى جارية .. بدت مرتبكة بصورة دفعت الرجل إلى تكرار إشارته مرات عديدة ، أخذت تتلفت حولها مثلما يفعل اللصوص عادة ثم ركبت السيارة .. زرع على خدها قبلة باردة ، فخفضت رأسها حتى تركزت الدماء في وجنتيها ، سألها بتودد :
- ما اسمك يا جميلة العينين ؟
صمتت قليلا ثم أجابت بصوت خافت :
- ..اسمي ظروف !
ظهرت على وجهه ابتسامة بلهاء تشبه ابتسامة المهرج ثم حرر السيارة من الفرامل و لم يتوقف حتى وصل إلى خارج المدار الحضري (طريق تلمزون). ...رفضت كأس الخمر التي مدها إليها وهو يتخلص من دراعته الزرقاء، لكنه ألح بصوته الخشن ، ولم تجد بدا من رشفها إلى آخر قطرة ، غمرها شعور دافئ و خفيف ، فطالبته بكأس أخرى ، ثم أخرى ، ثم أخرى ، ثم استسلمت لذراعيه القويتين فتسللت إلى أنفها رائحة السمك الكريهة و تذكرت عبير المسك في ثياب زوجها و انتقلت بفكرها إلى يوم الرحيل ، حين تسلل الموت خلسة مثل قاتل محترف ، وبحركة فيها الكثير من النذالة خطفه بدون سابق إنذار ..لقد مات غرقا في قوارب الموت..كان ينوي الهجرة...لعله يوفر لها ولابنائها رغيفا حلالا. ابتسمت بدلال مصطنع حين أخرج من جيبه ورقة المائة درهم و رأت أن أبواب الحظ قد فتحت أمامها إلى الأبد ، و قبل أن تقفز خارج السيارة منحته رقم الهاتف و قبلة سريعة ثم انطلقت نحو السوق ....شعرت كأنها لم تأت لهذا السوق من قبل رغم أنها تحفظ كل شبر فيه و كل دكان، أحست بأن الجميع ينظرون إليها و يتهامسون بينهم ، حتى المسجد الموجود في الطريق إلى البيت بدا غريبا جدا وتخيلته يشير نحوها بأصابعه .. حين اقتربت من مسكنها كانت تلاحقها النظرات و التعليقات المتحرشة من أبناء الحي ، و طلب أحدهم رقم هاتفها لكنها خفضت رأسها و استمرت في السير .. حتى البقال لم يتعرف عليها حين أرادت أن تشتري علبة الشوكولاتة لأنه لم يسبق أن رآها بدون ملحفة ..ربما كاس الخمر انساها ان تضع طرف اللحاف على راسها.....
بدت السعادة على وجه الطفلين ، فمنذ زمن لم يتذوقا طعم الشوكولاته.. انشغلت بتحضير العشاء ، وكان الطفلان يستغلان لحظات سهوها الطويلة من أجل اختلاس البطاطس المقلية دون أن تلاحظ ذلك...أحست كأن لون الجدران قد تغير ولم تستطع أن تتخلص من رائحة السمك التي ما زالت تفوح من جسدها النحيل ... حين وضعت رأسها على الوسادة ، تأملت صورة زوجها المعلقة على الحائط بلحيته الطويلة و النور يشع من تفاصيل وجهه ، لم تستطع أن تقاوم الدموع ، و تمنت لو أنه كان بجانبها ليضمها بين ذراعيه كالعادة.. غلبها الإرهاق و استسلمت للنوم فغدا ينتظرها يوم طويل من العمل الشاق........الحكاية مقتبسة.
تعليقات الزوّار
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها
1- هدا الا الحك
الحسني
الحكاية اراها واقعية بنسبة 100/100 وهي تمس عمق احدى الظواهر القديمة الجديدة التي ارى ان الفقر والحاجة والهشاشة هي سببها الرئيسي..ومن خلال التامل جييدا في القصة او الحكاية ارى ان الكاتب قد تفنن في خلق مفاتيح ورموز معينة من امثال الملحفة .الدراعغة الزرقاء.الجيم الحمراء .طريق تلمزون...كلها مفاتيح تدل على الظروف هي تجسيد لواقع الطنطان.تلك المدينة التي ينخرها الفساد والمفسدين.فهي فعلا مدينة الارامل او بالاحرى هي الارملة بعينها التي نهبها ابنائها (الدراعة الزرقاء ) و سلطتها المتجبرة (ج حمراء )....كلها رموز وظفها الكاتب بكل دكاء ليرسم لنا بقلمه حكاية رائعة ومعبرة عن واقع غريب الاطوار كلما تاملت فيه بامعان اخدتك الداكرة الى تاريخ ليس بالبعيد يتجسد في حرب الصحراء و بورجوازية الحرب والبقع والانتخابات فاطمة الحب وعيادة اخدت ما ينتظر نخبة اللحظة الكرطونية...ورحم الله رموزا كامثال عب السلام عمارة الدي ترك رصيدا مهما من النضال والجراءة وكلمة حق ...فشكرا مرة اخرى لكاتبنا وهنيئا لك
رغم ان الحكاية اصلا مقتبسة الا ان الكاتب تفنن في صياغتها ليجسد لنا واقعا حقيقيا يعرفه الكبير والصغير وخصوصا بمدينة الطنطان التي اصبحت ظاهرة الفساد والدعارة منتشرة فيها لدرجة لا تتصور.وما يثير انتباهي هو ان هده الظاهرة السيئة اصبحت تنتشر بشكل ملفت للانظار في صفوف القاصرين.و للوقوف عللا حجم الظاهرة اصبحت بعض الاماكن من المدينة مجالا خصبا للانحلال الخلقي وخصوصا مدخل المدينة الشمالي و الغابة المجاورة لساحة بيئر انزران.وشاطئ الوطية الدي اصبحت تنتشر فيه تجارو كراء المنازل المفروشة التي تدر على اصحابها مداخل مهمة حيت لم يعد الكراء يقتصر على المصطافين من ابناء الاقاليم المجاورة كلميم السمارة اسا بل اصبحت البيوت تكترى بالساعة الواحدة للمدمنين على الفساد وخصةصا فساد القاصرات...انا لله واليه راجعون..وشكرا للاخ الداودي على هده الحكاية التي اعتبرها اجتماعية بالدرجة الاولى
اقول لكاتب المقال كر فانت حر. واستمر في ابداعك ولا يهمك تعقيب من لا قيمة لهم من البشر من امثال حسني حر و طنطاني حر وصبيو فانهم مجرد كلاب تنبح.و ما تعقيباتهم الدنيئة الا استصغارا لهم وقيمة مظافة لك انت
انتهت الحكاية و كتبت في اخرها........الحكاية مقتبسة....
اخلا عنا كايل عنك اصنعتها يابي ادماغك اصغير عامر الا باالباكيط زغرتي ياميليدة.و لدنا اعرف راسو عنو الا مقتبس.
صراحة تصفحت القصة وفهمت ان مظمونها شمولي ويعالج الفقر والهشاشة و السياسة الفاسدة فالكاتب شخص لنا مظاهر الفساد باستعماله لرموز معينة...المراءة رمز الوطن والعائلة..السيارة رمز للفساد والجيم الحمراء رمز للتسلط
ارى من خلال قراءة العديد من المقالات الالكترونية ان الاغلبية الساحقة من خلال الردود نراها تصب غضبها على صاحب المقال دون الدخول في مناقشة ونقد ما يقول او ما يكتب لهدا ارى انه من العيب ان ننقد شخصا ما بمجرد انه يمارس مهنة معينة فاعظم الكتاب والعلماء العالميين كانو يمارسون اعمالا بعيدة كل البعد عن الكتابة ...الكاتب الداودي المحجوب اراه في بداية المشوار ولا اقول ان محاولاته ناجحة 100/100 لكن اراه يتقدم ببطئ نحو خلق اسلوب جديد في عالم الكتابة. كما لاحظت انه يريد ان يخرج من جعبته شيئا ما او سرا ما ما زال يحيط بجوانبه دون الخوض فيه..كلما في الامر اطلب منه الاستمرار لانه مع تكرار المحاولات سيجد الطريقة والاسلوب المناسب للوصول الى الاحترافية..............لك التوفيق
من خلال تتبعنا لمشوارك الكتابي لحظنا فيك روح المسؤولية و روح النضال استمر ولا تهتم كثيرا من اصحاب الردود من امثال حسني خر الدي تبين انه لانجمعه بالقبيلة اي صلة وانما اختياره لهدا الاسم ما هو الا شيئ يتمناه في خلجات نفسه.فهو انسان مهزوم ويوم بعد يوم سيسقط القناع وسينسل البساط من تحت اقدامه وسيرجع للطبخ كما كان